ان نسق التفكير الميتافيزيقي كان يتخذ من الحقيقي قانونا له، او يؤسس هذا رابطا قانونيا بين الفكر والحقيقة. ويتحاشى هذا الفكر ان يقيم وصلا بين ارادته وبين عالم الحقيقة. والحقيقة هي قيمة ارادية وليست ماهية جوهرية انها التطابق بين العقل والشيء او اليقين الذاتي الذي ينتجه التمثل المحض، او التقاء مقولات الفاهمة بالمعطيات الحسية.

يدخل عمر ميرواني هنا في واحدة من اعقد جدليات الفلسفة “الفضيلة” ويعطي تفاصيل مهمة عن الية عملها في المجتمعات:

“تحفل أراضي الكسل والفضيلة بالقديسين، أمثلة النجاح فيها أفراد زهاد يسكنون أقاصي الأحلام ويعتزلون الواقع، طبيب الفقراء، راعي الأيتام الأوحد، الشرطي الصالح، المعلم الرؤوف، رجل الدين المنتفح والواعي. ودون أن يشعر هؤلاء فهم لا يشكلون سوى مخدر لأنفسهم من واقع يزكم الأنوف، ومخدر للمجتمع بأن ”الخير ما زال موجوداً“، ودون أن يشعروا فهم يقفون كعائق أمام أي محاولة لتحويل الواجب إلى قانون ويساهمون بالإبقاء عليه في حقول الفضيلة وأعمال ”ينبغي أن“ يفعلها الجميع بناءاً على كونهم ينتمون إلى مفهوم مثالي معين لما يجب أن يكون عليه الإنسان. بينما يدمن المجتمع أوزاره ويعيش عقدة الذنب و“ليتنا كنا مثل فلان“. أول من يجب رجمهم هم هؤلاء القديسون، طبيب الفقراء لن يعالج مرضى البلاد، وما يفعله فقط هو أن يظهر الأطباء كأنهم وحوش في أنظار مجتمع وأرض الكسل والفضيلة. وراعي الأيتام الأوحد سيوهم الجميع بأن قضية الأيتام قد تم حلها ولا داعي للتفكير بالأمر، لكنه لا يرعى سوى بضعة أيتام، ورجل القانون الصالح الذي يتصدر الإعلام والذكر على الألسن لن يفعل شيئاً للمسالخ البشرية القانونية في بلاده، وأصحاب المنظمات الخيرية لم ولن يحلوا مشكلة الفقر هذا إذا لم يكونوا يعتاشون منها. القديسون مجمدون في ثلاجة التقديس وخانة المثل العليا، إنهم يصلحون للتمجيد لكنهم لم ولن يصلحوا كأمثلة سيفكر أحد بتقليدها لأنهم يعيشون خارج قوانين العالم، والزهد مهما كان جميلاً فسيبقى كشذوذ إحصائي وعلى من يرغب بالزهد أن يستكمل عدته وأن ينهى نفسه عن مكافآت الرياء والظهور وإلا فهو ليس بأقل جشعاً ممن ينتقد فيهم الجشع ويصورهم كوحوش.”