الموصل: تاريخ ومؤرخون
واحدة من الاوهام التاريخية التي مارسها المؤرخون ما بعد قرار عصبة الامم كانون الاول ١٩٢٤ وقرار حزيران ١٩٢٦ ان تاريخ الموصل بدأ مع هذا القرار وان كل ما سبقه كان تاريخا مزيفا او لا ينتمي لبلاد الموصل فبدأ المؤرخون يتوغلون في ابراز الصيغة العربية للمدينة رغم ان المدينة لم ترفض العربية قبل ذلك بل كانت من مميزاتها احتواء المتغيرات واعادة صياغتها لتلائم شكل المدينة فالمدينة كانت حاملا وليس محمولا ولكن ما اراده هؤلاء المؤرخون ومنهم سليمان الصائغ القول بان المدينة كانت محمولا على خلاف الحقائق التاريخية ومنذ ذلك الحين بدأ الكتاب والمؤرخون والادباء يتادولون الصيغ التي ارادت خدمة الجدلية التي انشأتها بريطانيا واثبات مبرهنتها بان حصول العراق على الموصل سوف لن يحسن الامن فقط بل سوف يمكن ايضا العراق من تأسيس دولته القوية. اشترى كثير من المثقفين في ذلك الوقت هذه المبرهنة معتقدين ان الموصل قد انفصلت تماما عن بعدها التاريخي والثقافي وصاروا ينتجون بغزارة الصيغة العربية التي صممتها بريطانيا بالتعاون مع الملك الجديد. بدأ يظهر ذلك جليا حتى في الاغاني والموسيقى، الموصل لم تستغ يوما غير عثمان الموصلي واحمد الموصلي لكن يظهر تاثير السياسة المتبعة لتغيير النمط الثقافي في المدينة من خلال ما يعرف “نشيد الموصل” الذي اعلنوا فيه انضمام الموصل رسميا للعراق عام ١٩٢٥ والنشيد يتحدث بوضوح عن جدلية بان العراق لم يكن له ليكون دولة او يكتمل لولا الموصل والواضحة في هذه الابيات:
أنت منه خير جزء خاب من رام انقسامه
وعماد المجد أنت فيه بكٍ، بل أقوى دعامه
أنت روح هو جسم أنت تاج هو هامه
أنت شمس هو بدر منك قد لاقى تمامه
وتظهر مثل هذه الجدلية كثيرا في الصحف التي نشأت انذاك.
وواحدة من تلك الحيل التي مورست وخاصة بعد سقوط العهد الملكي ان ازدهار الحركة التاريخية للموصل انما بدأت بعد قرار ضمها للعراق، وبعد سقوط الملكية بدأت المنتجات الفكرية تتركز في ان المرجعية التاريخية للموصل انما تبدأ بعد قرار ١٩٢٦ وبهذا قطعوا الموصل عن تاريخها السابق.
لايزال المثقفون في الموصل يمارسون هذا الدور الخطير في فصل الموصل عن محيطها التاريخي والثقافي الطبيعي والاستمرار بوضعها في جسد مشوه لا تنتمي اليه حتى بعد مرور قرن من الزمن.
دراسات مشرقية - Oriental Studies 