نظام الاخلاق المصلحية في الموصل
في كل مكان من العالم تنشأ دوما طبقة تحمل صفات عصية على الفهم او الاختراق لان هذه الطبقة تستطيع اعادة ترتيب نفسها بسهولة مع المتغيرات بسرعة فائقة، اختلفت التسميات حولهم منذ بداية التاريخ فقد عرّف اليونانيون هذا الفعل بانه Hypocrisy المشتقة من اليونانية وهي ὑπόκρισις وتعني الغيور او الجبان الذي يقوم باعمال بالسر، وعرّفها المسلمون واديان اخرى بالنفاق واصبح هذا الفعل مؤسسيا بعد الميكافيللية متحولا الى فلسفة ونظام اخلاقي يستخدم في مجالات متعددة اهمها في أسس الدولة الحديثة ثم تحول مجتمعيا الى وسيلة للكسب و “النجاة” والحصول على مكاسب وخلقت هذه الطبقة تبريرات عديدة حول مفهوم النفاق وتحول من رذيلة الى فضيلة بفعل التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن جملة المبررات التي نشأت حول هذا المفهوم هي قضية “السلامة المجتمعية” و “الحفاظ على العلاقات الاجتماعية” والخوف من انهيار النظام المجتمعي الذي يتطلب التخلي عن بعض الفضائل الفردية لصالح الفضائل الجمعية وبهذا تحول مفهوم النفاق الى “المجاملة” والتي تندرج تحتها الوان كثيرة.
ومن اوجه المسوغات التي جعلت الجمهور يرحب بهذه الاخلاق هو ان هناك منطقا داخليا تنتظم داخله الحركة الاجتماعية وتجد مكانا مشروعا لذاتها ضمن تسلسل الاحداث وتعاقب العصور، وخصوصا ان هذه الطبقة تتقن خلق المسوغات التاريخية لهكذا فعل، فمعهم صار كل فعل نفاق (ضمن نظامهم الاخلاقي) هو نظام يخص تاريخ الامة وان تطور حركة التاريخ تتشكل بضرورة استمرار هذه الطبقة والتي تعددت اشكالها منذ بدء التاريخ والفلسفة.
ويمكن بسهولة تطبيق هذه العبارات اعلاه على النظام الاخلاقي في مدينة الموصل التي اصبحت تتداخل عمليات تشكيل الاخلاق الفطرية مع المصطعنة ونجح هؤلاء المنافقون باختراق النظام الاخلاقي الاصلي وطرح نظامهم على انه جزء اصيل منه وبهذا صار اي احد عاجز عن التمييز بين ما هو نظام مصنوع ونظام اصيل.
ويصنع هؤلاء حولهم ادوات كثيرة تحافظ وتحمي مكانتهم رغم كل التحولات الكبيرة التي قد تطيح بسهولة بالرجال لكنهم ينجون دوما من هذه التحولات فمنها انهم حولوا الجمهور الى مدافع عن هذا النظام الاخلاقي لاعتقاده بان سلامة المجتمع تكمن بسلامتهم فهم يتمتعون بالحكمة والرصانة وغالبا ما تجدهم من الذين بلغوا من العمر عتيا ومن الذين يتكلمون كثيرا ويكون لهم انتاج غزير ويكتبون في كل شيء ويكتبون عن كل احد ويستخدمون هذه التقنية لغرض اسكات الاخرين، فلا يمكن ان يتعرض احدهم للنقد لانه قد سبق ووضع يده في فهم الاخرين. كما انهم حولوا كل من يحاول انتقادهم الى شاذ عن الجمهور لمعرفتهم الكبيرة بعقلية الجماهير والتي فسرها لوبون بشكل واضح وتنطبق رغم البعد الزمني والمكاني على الموصل ايضا.
هذه محاولة اولى لنقد النظام الاخلاقي المزيف الذي صنعه المتحولون والذين تمكنوا من اختراق المجتمع منذ عقود طويلة من الزمن ولايزالون يمارسون هذا الدور وسيظلون يمارسوه.