امور جوهرية في تصويب الشخصية الموصلية


أحد الأسباب (وليس كلها) التي منعتني من الكتابة عن هذا الموضوع هي وقوع الموصل تحت سلطة الإرهاب وسقوطها بيد الدولة الإسلامية للفترة 10 حزيران 2014 وحتى اليوم تخضع مدينتها القديمة لهذا الإرهاب ولا يبدو ان هناك انفراج قريب وربما تأخذ شهورا أخرى قبل تحريرها بالكامل.

وما مكتوب هنا لا يوصف بالصواب الكامل، فالنقص يظل طبيعة بشريّة، انما هو فهم ذاتي لمدينة ولدت ونشأت وعشت فيها مثلما عاش فيها اهلي واهلهم على مدى زمن بعيد، وهو من عبارات نقلتها عن اخرين وما نقل عن افواه المعمرين وعن رجال احسبهم صادقين ثقات، ولا اريد من قولي هذا ذما لاحد انما الداعي وراء كتابته الرغبة في اصلاح هذا المجتمع الذي أصابه خلل كبير وارشاد الجيل الناشئ منعا لوقوعهم في أخطاء السابقين ومنع تكرارها اما الدافع الثاني فتحملني المسؤولية الأخلاقية على القول، وما عاد السكوت من ذهب، وما عادت هذه الحكمة صالحة، وان كان السكوت مفتاح السلامة فانه قفل الفهم، وقديما قيل انما ريحان النبات يعيش يوما وليس يموت ريحان المقال، فلا خوف من الكلام، فانه من يحسن القول يحسن الصمت أيضا.

انّ شرّا قد لحق بهذا هذا الوطن، الموصل، تسلط رعاع القوم عليها وعلى رقاب أهلها، وان ذلك لقديم الحدوث حين خضعت المدينة لسلطة الخوف والرعب لعقود مضت، فتوقفت المدينة عن قول الحق لنفسها ولغيرها، وصار شعبها لاحقا تابعا لغيره وامعن بها نظام حزب البعث (7 ابريل 1947 – 9 ابريل 2003) واوغل في ايذائها ومزّق نسيجها الاجتماعي والأخلاقي والثقافي ومسخ تاريخها الضارب في المدنيّة، حتى صارت مدينة عاجزة عن مقاومة اية تغيرات وافدة اليها، ونشأت فيها ثقافات غير اصيلة ازاحت الثقافة الاصيلة التي توقفت هي الأخرى عن التطور او حماية نفسها على الأقل.

واني كاتب هنا جملة نقاط لمشاكل جوهرية استلزمت الحلّ وطلبت من اهل الحل والعقد النظر عميقا فيها ولعل العلاج قائم ولعل الناس لهم بها وعي على انهم لا طائل لهم بمواجهتها او التصدي لها، واني لأترك لكم التفصيل فيها والاضافة عليها او محوها ان ثبت بطلانها، ولكن كونوا شجعانا واجهوا الأخطاء واعترفوا بها ولا تقفوا عن هذا الحد، فمن اعترف بالخطأ دون تصويبه كفاعله؟:

  • لا تحترم الموصل رجالها ولا تحتفي بهم، فكم مرّ بها من رجال، رجال بحق، نسيتهم المدينة ونسيهم التاريخ وكان حقّ على شعب هذا الوطن ان يحتفوا برجالهم ليس لأنهم رجال فحسب بل لأنهم من صنع تاريخ هذه المدينة، وأكثر من ذلك فانهم يمعنون في اغفالهم وبعضهم من يرفع رجال على غيرهم لمصلحة أرادها او لمنفعة يطلبها قد تناله، وتعرف الموصل جداول الاف الرجال الذين ظهروا في هذه المدينة لكن أسماءهم بقيت حبيسة الأوراق والدواوين وما تجرأ أحد على كشفها والاحتفاء بها.
  • حقد طبقي واجتماعي مخيف يعيش في خنادق نفوس المدينة، فيكره الأخ اخاه ولا يحب لغيره الخير، وانه ليبلغ به الامر من الكره ان يبتكر الالفاظ البشعة في ذم اخوانه وأهله ويرفع الغرباء على أبناء وطنه، فان قام أحد من وطني الموصل بفعل حميد ما التفت اليه الناس انما يلتفتون للغرباء ويعلون من شأنهم على حساب أبناء البلد.
  • يفضل الناس في هذه البلاد النفس على كل شيء آخر، وان الاهتمام بالنفس واجب على انه في هذه الحالة تجاوز حد النفس ليبلغ مبلغا خطيرا فكل شيء يصدره الاخر يعتبر مرفوضا وصار سبيل رفع شأن الذات الحط من شأن الاخر.
  • أغلقت الموصل أبوابها على محيطها، فلا هي نجحت بتطوير داخلها ولا فهمت او قرأت محيطها، فصارت معزولة بعيدة عن كل شيء يحيط بها.
  • ان الانغلاق لم يقتصر على محيط المدينة الخارجي، بل بلغ حدا مخيفا من التباعد والتباغض بين سكان الاحياء والحارات والازقة، فلا تكاد تجد معرفة للجيران بجارهم ولا يرحمون جائعا ولا مشردا ولا يثق بعضهم ببعض ويضعون السوء دوما فوق كل اعتبار في حكمهم على غيرهم بلا دراية او وعي بمجريات الأمور.
  • ترك اهل البلد هويتهم الاصلية “الموصلية” التي تمثل تركيبا عجيبا من التواصل والتوافق بين مجتمعاتها المتعددة وفضلوا الهوية الدينية والعشائرية عليها فضاعوا وضيعوا المدينة، فلا هم رجال قبائل ولا هم رجال مدينة.
  • ترك اهل البلد تاريخ المدينة فلا هم قرأوه او تدارسوه ولا هم رحموه، انما زيفوا تاريخا ارادته السلطة وما حفظوا الا ما شان المدينة وأهلها وتركوا الثمين وتمسكوا بالغث الرخيص، ومضوا على الأخطاء القديمة فحولوها الى فضائل فصارت شرا عليهم على مر السنين، وكذبوا عن عادات وتقاليد لا توافق الحقيقة انما ابتكروها، فأوغلت في مسخ الشخصية الموصلية.

وختاما أقتبس ما قيل قديما وصدق: ضيعت الموصل في الصيف اللبن فما حك جلدك مثل ظفرك فتولى انت جميع امرك

.عمر

باريس المحروسة

الثالث عشر من حزيران للعام سبعة عشر والفين مسيحية

2 Comments Add yours

  1. أمير الركابي says:

    السلآم عليكم استاذ عمر
    أعجبني مقالك، وأعتقد أن ما ذكرته لا ينطبق على مدينة الموصل وحدها، بل على العراق ككل، إنها أزمة اجتماعية وأخلاقية متجذرة بالمجتمع العراقي.

    1. شكرا لك استاذ امير
      بلا شك العراق يعاني تقريبا من ذات المشاكل. لعلنا نصل لوعي اصلاح هذه المشاكل الخطيرة.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s