يبدو الاستشراق بوصفه مفهوما لتطور الدراسات الغربية للشرق ملتزما بان يكون “استشراق” يدرس الاسلام كهدف أولي له كنمط معرفي، واهمال كل جوانب العالم الممتد من شرق اوربا الغربية حتى الصين هو المجال الحقيقي للدراسات الاستشراقية القديمة، ومع تطور الاكاديميات ووصولها الى امريكا والى الشرق ذاته اصبح مصطلح “الاستشراق” بحاجة اعادة نظر جادة بعد خلو المصطلح من قيمته التي وضعها به ادوارد سعيد، حين حدد الاسلام كمقابل للغرب.
ويمكن النظر الى مفهوم الاستشراق من جوانب عدة :
اولا: البعد الجغرافي : في متابعتي للدراسات الاستشراقية والاكاديميات الغربية التي تعتبر رائدة في “الاستشراق” لا يظهر “الشرق” الذي طرحه ادوارد سعيد هو المجال الوحيد للدراسات، بل يتعدى الامر الى ابعد من ذلك بكثير، حتى ليبدو هذا “الشرق” مجرد حقل ضمن عشرات الحقول، ولم يعد الشرق هو “الشرق الاسلامي” فقط، بل هناك شرق اوربي لاوربا نفسها، وشرق امريكي لامريكا، وشرق بريطاني لبريطانيا، وشرق روسي لروسيا، فما هو الشرق بالتحديد المقصود في الاستشراق “طلب الشرق”؟
ثانيا : البعد المعرفي : رغم تواجدي الجديد في فرنسا، الا انني استطعت، وبعد القراءات النظرية السابقة عن المؤسسات الاستشراقية، ان اتداخل مع مسشترقين فرنسيين، واكاديميات “استشراقية” التي يصعب كثيرا اطلاق هذا المصطلح عليها، يظهر “شرق ادوارد سعيد” بنسبة ضئيلة جدا في كتبها السنوية للدراسات والحقول المطروحة، في مؤسستي التي اعمل بها EHESS وفي كتابها السنوي لا يظهر الا عدد محدود جدا من الدراسات حول الاسلام وشرق ادوارد سعيد، واكاد اكون الوحيد الذي أدخل دراسة تاريخية الى الكتاب السنوي القادم باعتبار دراستي ستكون عن دولة عربية، وفي محادثات لي مع مؤرخين وباحثين امريكيين واوربيين حول مصطلح الاستشراق والشرق Orient, East, Middle East وحول مصطلح Orientalist, Historian لا يميل اكثرهم لاستخدام هذه المفاهيم للتعبير عن الدراسات التي تدرس العالم الشرقي(شرقي افتراضا للمفهوم القديم)، بل يميلون الى اعتبارها دراسات تاريخية وعلوم انسانية نابعة من المعرفة التاريخية ليس الا، ويرفض البروفيسور المؤرخ Arthur Goldschmidt ان يطلق عليه اسم “مستشرق” ويفضل ان يكون “مؤرخ” كذلك يؤكد Andreas Ismail Mohr المستعرب (او المختص بالدراسات العربية الاسلامية) ان تتم تسميته بالمستشرق، رغم انه قد اكمل الضوابط والشروط والادوات التي تجعله مستشرقا وفقا للشروط القديمة بان يتقن العربية واللغات الشرقية، ويزور بلدانا شرقية، وقبلهم يقول البرت حوراني ان ادوارد سعيد قد حول كلمة “الاستشراق” الى كلمة “قذرة”، فمن هو المستشرق في هذه الحالة؟ وما هو تخصص المستشرق؟ وهل لديه تخصص فعلا؟ وهل كل من يدرس المشرق يعتبر مستشرقا؟ ماذا عن الدراسات والعلوم الاجتماعية والنفسية التي تتناول دول العالم الممتد من شرق اوربا الى الصين؟
او بالاحرى من هم “الشرقيون”؟ في تحديد المستهدف يمكننا ان نجد طريقة مثلى للتعامل مع الاستشراق او تحديده اصطلاحيا.
والا فان التعامل مع الاستشراق وفقا لادوارد سعيد سيكون دائما يؤدي دور الشرير مقابل الخير المضطهد، فالاستشراق لم يعد كما رآه سعيد، بل هو حقل معرفي، ورؤية تاريخية أخرى عن تاريخ العالم.