لماذا لم يهاجم ادوارد سعيد في استشراقه المدرسة الالمانية؟
سألني احد الباحثين الفرنسيين هذا السؤال، وهو سؤال ليس بجديد، واضيف عليه لماذا لم يهاجم سعيد الاستشراق الروسي؟ وصبّ كل غضبه على الاستشراق البريطاني، والفرنسي، والامريكي!
يرتبط في مخيلة المشرق ان المانيا وروسيا هي قوى غير استعمارية، لذلك لا يمكن مهاجمتها، بينما دول اوربا الاخرى دول استعمرت الشرق، هذا التلقي لادوارد سعيد في الاوساط العربية كان ازمة كبيرة للعقل العربي، فالمتلقي العربي – مثل سعيد تماما – يعتقد ان الشرق هو العرب فقط، وان العرب هم المسلمون فقط.
سعيد الذي ربط الاستشراق بالقضية الفلسطينية، وهو المصري الذي ولد في القدس عام 1935 لان عائلته فضلت القدس على القاهرة، عائلته مسيحية بروتستانتية من لبنان، تلقى تعليمه في مصر، ثم في الولايات المتحدة، لم تكن له هوية فلسطينية، كان مصريا ثم امريكيا، وعائلته اعتادت على التصييف في لبنان، كما يبين هو ذلك في مذكراته Out of Place خارج المكان – عاش في كنف اب متسلط وام متساهلة.
قضى بضعة اشهر في فلسطين، لذا القول بانه “فلسطيني” امر مثير للتساؤل! لكنه رغم ذلك اعتقد انه فلسطيني، ووضع نفسه موضع المدافع عن القضية.
تربى في بيئة ثرية، في منزل اعتاد ان ينادي فيه على الخدم، دراسته في القاهرة كانت في Victory College وهي سلسلة مدارس ثانوية بريطانية كانت تعتبر النسخة الشرقية لـكلية ايتون Eton College التي تأسست عام 1440 م.
المدرسة كانت تعطي اسماء اشهر المستشكفين و “الامبرياليين” البريطانيين لاقسامها مثل كيتشنر، كريمر، فوربشر، وكان ممنوعا التحدث بالعربية داخل المدرسة، لكن سعيد كان متمردا و “غريب” في هذه المدرسة. كان عمر الشريف واسمه الحقيقي ( ميخائيل شلهوب) احد الذين اعتادوا على ضرب سعيد في المدرسة.
على اية حال،
بمراجعة كل الذين اعتاد سعيد على مهاجمتهم في كتابه “الاستشراق” نرى ان جهودهم العلمية فاقت التصورات، وان نقدهم لاعمالهم كانت اقوى حتى من نقد سعيد لهم، كانت اعمالهم بمثابة الحجر المؤسس للدراسات العربية والاسلامية في الغرب، معظمهم أسسوا للمعرفة الشرقية، التي انتقلت فيما بعد الى الشرق.
منذ عهد هاملتون جب الى يومنا الحال، الاندماج بين المدارس الامريكية والبريطانية وضمور المدرسة الالمانية، كان معظم المستشرقين البريطانيين والامريكان ضد فكرة الاستعمار، وسياسيا كانت ارائهم معارضة للحكومة، لكنهم كانوا يعيشيون ضمن البيئة الطبيعية لدولهم، بيئة الديمقراطية، الكثير من المستشرقين الفرنسيين كانوا ماركسيين ويساريين، لكنهم حافظوا على نسق المعرفة الشرقية.
الكتاب يعد إحدى التحف الفنية التي يقل أن يجود بمثلها الزمان.
تمت ترجمته الى عشرات اللغات الإنسانية الحية ووصفه بالتهجم بدلا من النقد يعد ظلما لكتاب مرجعي لا يعيبه أنه لم يسيطر على كل الاتجاهات الاستشراقية. كان في غاية الجمال وكان الفلسطيني إدوارد حنا سعيد من عظماء النقد الذين لم يرق لهم قط ارتفاع صوت ضحاياهم في شرق مأكول مذموم.
تصويب للملاحظة أعلاه
(كان من عظماء النقد (للمركزية الأوربية وقد أغضب الذين لم يرق لهم ارتفاع أصوات ضحاياهم في شرق مأكول مذموم.
* ما بين القوسين سقط سهوا من ملاحظتي السابقة.