قبل ان اكمل تفاصيل القراءة الاقتصادية لقصة الردة، اود ان اعرج على كتاب “الفتنة : جدلية الدين والسياسة في الاسلام المبكر” لمؤلفه “هشام جعيط” والذي يطرح افكار مهمة جدا في تفصيله لحادثة الردة ص 37 – 47 .
واود مناقشة ما طرحه، واتساءل في بعض القضايا والجزئيات التي ربما – تغافل – تغافل عنها هشام جعيط، اذ يطرح مجتمع المدينة على انه كان مجتمعا متماسكا وان النبي قد انهى نظام القبيلة السابق، وان النظام الديني قد حل محل النظام القبلي، لكن الحقيقة ان النبي استخدم التقسيمات القبلية ذاتها لتأسيس مجتمع المدينة، او اعادة صياغته، ويظهر جليا من خلال المقال الذي كتبته آنفا(المصاهرة السياسية في الاسلام المبكر : النبي محمد وقبيلة خزرج ) ان المصاهرة السياسية كانت اهم عامل استخدمه النبي قبيل هجرته الى المدينة، وفعله بعد وصوله اليها.
ويعترف هشام جعيط بان النبي “بالكاد توصل الى اقامة البنى العملية للاسلام، التي ظلت سطحية”، وما ان توفي حتى كاد كل شيء بناه ان يندثر، كما يتغافل (عامدا ربما) عن ذكر الحادثة التي جرت بين سعد بن عبادة وعمر بن الخطاب (نصوص الاسلام المبكر : سعد بن عبادة وموته الغامض)، يضاف الى ذلك ان الوعي القبلي في مخيلة المدينيين ظل قائما في المدينة وان شعور المدينيين تفعل جليا بعد وفاة النبي وعند حادثة السقيفة، ان ما فعله المدينيون لم يكن بعامل ديني، بل كان بوازع للحفاظ على هيكلية المدينة وتجارتها، ان التجارة والاقتصاد كانت العامل الحقيقي وراء التفاعلات والعلاقات القبلية في مجتمع المدينة حتى اكثر منه في مكة،
ونقطة مهمة أخرى هي الوعي باهمية وجود نبي، هل ظهور انبياء بعد وفاة النبي كانت مجرد تقليد للنبي محمد؟ ام تطور الوعي المديني باهمية وجود النبي كعنصر رمزي في فرض الهيمنة والسلطة؟ اضافة الى هل كانت مطالبة المدينيين بالخلافة لخلافة الامة بعد النبي؟ ام كانت لادارة المدينة وقبائلها؟ هل كان للانصار وعي بضرورة وجود خليفة للنبي لادارة شؤون الامة كلها؟ ام شؤون المدينة؟ هل نزاعهم مع ابي بكر وعمر كان نزاع ديني؟
ان ابا بكر انهى اي فرصة للتطور والتحديث السياسي في المدينة بعد اعلانه الحرب التي لا هوادة فيها على القبائل واخذهم بغتة، وحول الدين من دين شامل للجميع، الى دين قومي مرتبط بالارض ارتباطا حصريا، وهذا ما ظهر بعد الفتوحات التي ابتدأها ابي بكر، وكذلك اثناء تأييد عمر لابي بكر في الخلافة وحسمه القضية.
كلها تساؤلات نجد الاجابة عليها في المقالات القادمة من “حروب الردة”