قاتل ابو بكر فئات كثيرة من مجتمع المدينة وما حولها، استند في ذلك الى اجتهاده “حفاظا” على الدولة الاسلامية من الانهيار، لكن الذي حدث ان ابا بكر حين قاتلهم فسح المجال لسنين طويلة اعقبت عهده وأسست لمفاهيم الردة والبغي وصار الخلط بين من هو مسلم وغير مسلم، استنادا الى تفسيرات متاخرة جدا عن الحادثة.

ان ما قدمه النووي من تقسيمات لانواع المتردين يمكن تتبعها بمرحلة ما قبل اربعة قرون ونصف، والشافعي (ت 204هــ) يعطي تقسيما مماثلا ووضح حدا فاصلا بين الذين تبعوا مدعي النبوة مثل مسيلمة وطليحة والاسود العنسي، وبين الذين رفضوا دفع الزكاة لكنهم بقوا على الاسلام،قال الشافعي ) وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان ، منهم قوم أغروا بعد الإسلام مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات) ومن الجدير بالذكر ان الشافعي يفصل في الاشكالية الناشئة عن جواز قتال وقتل مانعي الزكاة، ويصير الشكوك الكثيرة حول دقة مصطلح “اهل الردة” وليس سهلا تطبيقه عليهم، لكنه في النهاية يبرر ان استخدام هذا المصطلح يعود لشيوعه في العربية”ارتد”، والذي يعني الرجوع عن المباديء السابقة،”هو لسان عربي فالردة الارتداد عما كانوا عليه بالكفر والارتداد يمنع الحق قال ومن رجع عن شيء جاز أن يقال ارتد عن كذا” وهذا يشمل بالطبع الوقوع في الكفر، ورفض دفع الضرائب، يقول الشافعي : (فإن قال قائل ما دل على ذلك والعامة تقول لهم أهل الردة ؟)

عندما يحلل الشافعي موضوع المجموعة الثانية (مانعي الزكاة) يشير الى ملاحظات مهمة، ويقول انهم فسّروا الاية 103 من سورة التوبة ةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} بالطريقة المذكورة في القسم السابق من المقالة.

ويشعر الشافعي بقلق حيال مشكلة التفسير الخاطيء للاية الذين اطلق علهيم (المتأولون الممتنعون)، ويرى ان قتالهم غير مشروع وقتلهم غير مشروع، ولا يجوز قطعا مقارنتهم بالذين يخرجون على الحاكم العادل (الباغون). لكنه في نهاية المطاف بلا اية تحفاظت يشرعن حرب ابي بكر ضد الجماعة التي رفضت دفع الزكاة،الا انه لا يسميهم مرتدون، ولا يضعهم في قائمة “اهل الردة” ولا اهل البغي، لكنه يضع مجالا للشك في الحرب بانهم لا تؤخذ امولاهم ولاشيء منها.

وفي تحليله لاوضاع فئة مانعي الزكاة، يناقش الخطابي (ت ٣٨٤ هــ) ويعتبرهم متمرون ظالمون (وهؤلاء على الحقيقة اهل بغي)”فأما مانعوا الزكاة منهم المقيمون على أصل الدين فإنهم أهل بغي “، على الرغم من ان هذا المفهوم (اهل البغي) لم يظهر في عهدهم، بل ظهر على عهد علي بن ابي طالب، ويشير الى ان من بين هذه المجموعة كانت هناك فصائل على استعداد لدفع الزكاة، لكن كن زعمائهم منعوهم، ويؤكد بانهم ليسوا (كفار) لكن اسم “اهل الردة” شاع عليهم لانهم رفضوا تنفيذ واجبات الدين فجرى تشبيههم بمن أخل بصفة من صفات الايمان.

وعلى الحقيقة فان استخدام الشافعي والخطابي للتفسير الخاطيء للاية ١٠٣ من سورة التوبة والاستناد اليها لتبرير حرب ابي بكر ضدهم، وضعت في غير سياقها، وقد كشفت بعض التفاصيل من الجدل اللاحق على القضايا الدينية والسياسة المتصلة بقرار ابي بكر محاربة مانعي الزكاة.

ويحدد الخطابي الفئات التي انتقدت بشدة اجراءات ابي بكر الظالمة تجاه مانعي الزكاة، ويسميهم “الشيعة الروافض” وذكر ان القبائل التي رفضت دفع الزكاة قامت بتفسير “مختلف” للاية ١٠٣ من سورة التوبة، ان النبي هو المقصود بدفع الزكاة وليس احد آخر، ولذلك فان ما قام به ابي بكر من قتال لمانعي الزكاة هو فعل جائر وظالم.

WordPress Post