قراءة موجزة في حروب الردة
(2)
التراث الاسلامي و مانعي الزكاة:
لم يعرف المسلمون مصطلح الردة الا في عهد ابي بكر الصديق، ولم يكن بعد ظاهرا تفصيل وتسمية هذا المصطلح على الفرد، لم يكن هناك مصطلح “مرتد”، كانت الردة تشير الى حركة قام بها زعماء القبائل العربية في المدينة(يثرب) متأثرين بوفاة النبي وخشية على التزاماتهم الاقتصادية والتجارية من الانهيار، فسعوا باستخدام حجج منطقية للحفاظ على دينهم واموالهم، فانهوا الالتزامات مع ابي بكر.
مفهوم الردة يعتبر اليوم من اخطر مفاهيم الاسلام الحديث، فهو اداة فاعلة لاقصاء اي شخص من الدين ومن ثم اباحة دمه وقتله، يلازم مفهوم الردة اليوم “انهاء الحياة” استنادا الى نصوص قُرِئَت من قبل جماعات فقهية وبيئية معينة، ثم انتقلت الينا دون ان يجري تحديثها.
هناك جانب آخر من حركة الانفصال وهي ادعاء زعماء القبائل ان ولائهم كان مقتصرا على النبي، فقد عقدوا معه اتفاقيات قبلوا بموجبها سلطته واعطوه يمين الولاء، ولم يكن لديهم التزام مع ابي بكر، ويذكر الطبري في تاريخه انهم قالوا لابي بكر :” أطعنا رسول الله ما كان وسطنا فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر، ومن بين الحجج التي عرضها هؤلاء عدم كفاءة ابي بكر خليفة النبي، وقدموا حججا تعفيهم من الزكاة، وبعض التفاسير تشير الى الاية {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} التوبة /103 على انها يقصد بها اولئك الزعماء الانفصاليين ، فهذه الاية تخاطب النبي محمد، وهو المأمور بجمع الضرائب، ولديه الاذن للتطهير والتزكية والدعاء والصلاة عليهم مقابل دفعهم للزكاة.
لأجل ذلك، ولوجود حجة قرآنية، اعتبروا انفسهم معفيين من التزاماتهم القديمة، وليس لديهم اية التزامات تجاه ابي بكر طالما انه غير قادر على منحهم “التطهير، التزكية، الصلاة عليهم” التي وردت في الاية(انظر :القسطلاني: إرْشَادُ السَّارِي لِشرح صَحِيح البخَاري3|6(.
هذه المحاججة بين ابي بكر وزعماء القبائل الانفصاليين استخدمت استنادا الى تفسير القرآن اثناء النقاش، ما يعني ان هناك تفسير مبكر للقرآن يستند الى الفهم العام للمجتمع، لان الاية تلزمهم بالولاء للنبي في قضية الزكاة، ولم يكن واردا بعد وجود خلف للنبي، لم يكن في الذهن فهما لوجود خليفة للنبي بعد، بمعنى آخر ان قصة الخلافة كانت طارئة على المجتمع المديني.
وجدير بالذكر ان التراث الاسلامي الذي يؤكد على الجوانب الدينية فقط للتمرد يذكر في الوقت نفسه اعطت جوانب اخرى تقيم النوايا الجيدة والمنطقية للقبائل المتمردة، فالمصنفات الفقهية ومصنفات الاحاديث مهمة جدا لتوضيح عدد الاحكام التي نشأت في وقتها وظروفها في التراث الاسلامي (فقه، حديث، تفسير)،
وفي شرح النووي لصحيح مسلم، يذكر ان هناك ثلاث انواع من التمرد في الجزيرة العربية : بعد وفاة النبي : مجموعتين من الكفار (الذين تبعوا مدعي النبوة، والذين تركوا الاسلام بالكلية)، ومجموعة أخرى لم ينبذوا الاسلام او يتركوه، لكنهم رفضوا فقط استنادا الى حجج منطقية دفع الزكاة، ان كل ما فعلوه هؤلاء، والذين قاتلهم ابي بكر، كان امتناعهم عن دفع الزكاة وحافظوا على كل ما تبقى من الاسلام وعلى اواصر وروابط المدينة، لم يتبعوا احدا آخر ولا دين جديد.