حادثة تعرض النبي للسحر: قراءة في المصادر الاسلامية


حادثة تعرض النبي محمد للسحر من قبل اليهود:

مقدمات : في التراث الاسلامي يرد ذكر افضل علاج للسحر، يصفه النبي ذاته، وهو “تمرة العجوة” التي تنمو في المدينة، ويحدد النبي موقع نمو هذا النوع من التمر في المدينة بين الحرتين “مما بين لبتيها” ويصفها انها “من الجنة”، ويشرح هذا الزمخشري في كتابه الفائق في غريب الحديث، فيقول “آدم جلب العجوة من الجنة”، وعند ابن منظور في لسان العرب “العجوة من الجنة”.

جاء في رواية مسلم : (( من تصبح بسبع تمرات “مما بين لبتيها” لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر)).

والسحر في التراث الاسلامي من الابواب التي أخذت حيزا كبيرا، والقرآن يذكر شواهد على صفات وانواع السحر، منها حادثة موسى، كما يزخر الفقه الاسلامي باحكام وحد السحر.

وجود تصنيف للسحر وعلاجه في التراث الاسلامي، بصيغة تعظيمية لأثره ولنوع علاجه الذي وضع في التصنيف الالهي، فقدوم العجوة من الجنة تقتضي قدومها من الله، بمعنى لا يقدر على الشفاء من السحر الا الله، هذا هو الفهم لمعنى “العجوة من الجنة”، وكون السحر لا يعالج الا بهذه الطريقة، فهو اذاً ذا اثر كبير جدا على المصاب به.

تعاطت مصادر التراث الاسلامي مع حادثة السحر بحرج شديد، جرى وصف طريقة السحر استنادا الى وصف النبي ذاته، اذ اتهم بنات لبيد بن الأعصم اليهودي بتنفيذ عملية السحر.

يصف النبي عن حديث عائشة طريقة السحر التي تعرض لها : 

والحديث يرويه البخاري (3268) ومسلم (2189) .

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ , حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا , وَدَعَا ثُمَّ قَالَ : أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي ؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ ؟ قَالَ : مَطْبُوبٌ ؟ قَالَ : وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ : لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ . قَالَ : فِيمَا ذَا ؟ قَالَ : فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ . قَالَ فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ . فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ : نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ . فَقُلْتُ : اسْتَخْرَجْتَهُ ؟ فَقَالَ : لا , أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ , وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا , ثُمَّ دُفِنَتْ الْبِئْرُ )

ادوات السحر : مشط، شعر متساقط من النبي، جف طلع ذكر (غشاء طلع النخل).

يتهم النبي بنات اليهودي لبيد بن الاعصم بانهن وضعن له لفافة فيها مشط وشعر منه في جف طلع ذكر، ورميت في بئر او تحت شجرة.

اثار السحر : 

تخبرنا عائشة : “كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ” 

ويذكر عبدالملك بن حبيب في كتابه المختصر في الطب : ان النبي مكث اربعين يوما بعد تعرضه للسحر، وشكى شكاية شديدة، وتغير جسمه ودهنه، و”خامره النسيان”، فاتاه “بعد اربعين يوما” جبريل فاخبره : انت مطبوب (مسحور)، فسأله من “طبني”، فقال له جبريل : بنات لبيد بن الاعصم اليهودي، قال في خف طلع “ذلك” (ورواية عبدالملك بن حبيب في ذكر (خف طلع ذلك) غير دقيقة، والأصح “خف طلع ذكر”.

ودله جبريل على مكان السحر :”قال وأين وضعته قال في راعوفة بئر ذوران”

“قال فما دوائه يا جبريل قال تنزع ماء البئر حتى تبدوا الراعوفة فتستخرج من تحتها وكانت البئر في بني بياضة من الأنصار فأرسل رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لاستخراج ذلك من البئر وأحضر لذلك أبا بكر وعمر فنزعوا الماء فوجدوه قد تغير كهيئة ماء الحناء ثم استخرجوا الخف من تحت الراعوفة فأتي به رسول الله {صلى الله عليه وسلم} فوجدوا في عقداً معقداً”

واستنادا لهذه الحادثة نزلت سور المعوذات.

“ونزل جبريل على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} بالمعوذتين فقال له اقرأ يا محمد فقال وما أقرأ قال اقرأ ( قل أعوذ بربِّ الفلق ) الفلق 1 فكلّ ما قرأ آية انحلت عقدة إلى آخر المعوذتين فبرق رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وصحّ وقال صلوات الله عليه ما تعوذت بمثلها ثم أمر أصحاب رسول الله {صلى الله عليه وسلم} إنساناً فبال على العقد والخف ثم أحرقا بالنار وألقيا بعد احتراقهما في حفرة وواروهما بالتراب”

وعبدالملك بن حبيب لا يذكر “او يتحرج من ذكر” العجز الجنسي الذي اصيب به النبي، بينما يذكره ابن هشام في سيرته.

الان، النبي اصيب بالنسيان، والتخيل.

وبنيت على هذه الحادثة : 

ان جبريل اخبر النبي بان بنات الاعصم هنّ من قمن بالسحر.

ان سور المعوذات نزلت استنادا الى هذا السحر.

لكن ماذا ان كانت بنات الاعصم بريئات؟ كيف سنتعامل مع سور المعوذات؟ ومع موثوقية جبريل؟

لا تذكر المصادر دوما ان بنات لبيد هنّ من قمن بالسحر، بل مصادر أخرى تشير الى اخواته(ابن سعد، الطبقات)، ولفظ جبريل “بناته”، وروايات اخرى تذكر ان لبيد ذاته من قام بالسحر(الرازي، تفسير الرازي)، ويذكر ذلك ايضا مقاتل في تفسيره في شرحه لسور المعوذات، ويذكره بلفظ لبيد بن أعصم.

لا نعرف على وجه الدقة، كم عدد اللفافات التي وضعت لسحر النبي، البعض يشير الى انها 11 استنادا لايات المعوذات وعددها 11.

والالتباس واضح في نسبة الحادثة لبنات الاعسم، فابو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن يعطي سببا لنزول “النفاثات في العقد” نسبة الى بنات الأعصم، بينما مقاتل يعطي تقديرا زمنيا بين نزول ايات المعوذات و حادثة السحر بعيدة جدا عن نزول الايات، ويرى الحسن البصري بشكل شبه مجمع عليه ان السورة رقم 113 (الفلق) مكية وليست مدنية، بينما حادثة السحر “مدنية”.

هناك روايات أخرى تشير الى ان خادم النبي هو من قام بسحره، وأخذ اثرا من جسده او ثيابه(تفسير القرطبي).

بينما روايات أخرى تشير ان طريقة السحر كانت باستخدام ابر وضعت في جسد النبي وانه كان يستخرجها ويشعر بالم اثناء استخراجها(البيهقي، دلائل النبوة).

النبي في الاسلام معصوم (محفوظ من الله)، ولا يتعرض لسحر ولا اذى.

اذا؟ من اين جاءت هذه الروايات؟ ما الذي نزل على النبي اثناء تعرضه للنسيان؟

وليس هذا المهم، كيف تختلف الروايات عن جبريل؟ وعن توقيت نزول الايات؟ بل وعن ذكر الاسم الفعلي للفاعل؟ هل خامر جبريل النسيان؟ ام ماذا؟

ملاحظة : المصادر ذكرت داخل النص.

One Comment Add yours

  1. Mohammad says:

    نعم انا اجيبك عن اسئلتك هذه فقد تمت اثارتها مرات عديدة ورددنا ايضا عليها مرات عديدة حتى اصابنا الملل من كل هذا لكن لا باس من مزيد الايضاح ومزيد التكرار اولا هل تشكك فى وجود السحر عامة ؟؟؟ فقد اتى وجود السحر تقريبا فى كل المصادر الدينية عند كل الديانات فى تاريخ البشرية بل ان هناك اسفارا كاملة فى الكتاب المقدس تم رفضها من بعض الطوائف وكان السبب هو انها تستخدم فى السحر وهو ما نشا ما يسمى باسفار الابوكريفا وبعض المزامير فى العهد القديم وايضا فى كتب الديانات الاخرى ….ثانيا : السحر هو مرض من ضمن الاامراض التى قد يتعرض لها اى شخص وعلى حسب السحر وتسلطه على الانسان وما اصاب النبى صلى الله عليه وسلم هو امر طبيعى لا علاقة له بالوحى من الاساس ولا يقدح فى عصمته كما ان مرضى الحمى او البرد لا يقدح فى تلك العصمة فلا ادرى ما هى العلاقة بين الامرين اللذين اردت الربط بينهما بطريقة متكلفة بعيدة كل البعد عن الحياد والتجرد اللذين يتطلبهما البحث العلمى الحر ….ثالثا موضوع من قام بالسحر شئ وارد ان تختلف الروايات فى البنات او الرجل الاب وكل هذا لا يثبت به التناقض فلربما نسب احد الرواة الفعل الى البنات ونسب الرواة الاخرون الفعل الى الاب ذاته وكل هذا لا يمنع يام الاثنين بالفعل واشتراكهما فى ذات الفعل وهذا كثير ووارد من حيث الروايات ومن حيث اللغة فلا مشكلة فيه

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s