حول مصطلح “الثورة”
عمر جاسم – شرقيات
ساتوقف عن الحديث حول الثورة الفرنسية كمثال للثورة الناجزة، لابتعد عن قضية استيراد الافكار من الخارج. وساقتنع بان ما جرى على مر التاريخ العربي الاسلامي هو “ثورة” وساقرأ التاريخ انطلاقا من الرؤية العربية الاسلامية . حتى لا اتهم ايضا بانني منحاز للغرب او الفِكَر الغربية .
لذا سأبدأ من مصطلح الثورة في اللغة العربية في المعاجم القديمة :
ورد في لسان العرب(الطويل) ان معنى الثورة :
“ثار الشيء ثَوْراً وثؤوراً وثوراناً وتثوَّر: هاج، والثائر: الغضبان، ويقال للغضبان أهيج ما يكون: قد ثار ثائرة وفار فائرة، إذا غضب وهاج غضبه. وثار إليه: وثب. ويقال: انتظر حتى تسكن الثورة وهي الهيج، وثار الدخان والغبار وغيرهما: ظهر وسطع”.
وجاء في (المصباح المنير): (ثار الغبار: هاج، ومنه قيل للفتنة: ثارت وأثارها العدو، وثار الغضب: احتد، وثار إلى الشر: نهض، وأثاروا الأرض: عمروها بالفلاحة والزراعة).
وجاء في (المعجم الوسيط): (ثارَ يثُور ثَوَرَاناً وثَوْراً وثَوْرةً: هاجَ وانتشر. وأثارَه إثارةً وإثاراً: هيَّجه ونشرَه).
هذا لغويا ، ولم يرد في النصوص العربية المبكرة اشارات لمصطلح الثورة بالمعنى السياسي ، بل كان يطلق على تزعم سلطة جديدة للولاية او استئثار فئة معينة بالسلطة بـــ :
قيام ، خروج او فتنة . حتى اطلق على الخوارج هذا الاسم ، استنادا الى كلمة “الخروج” .
وجاء في لسان العرب عن معنى الخروج :
الخُروج: نقيض الدخول. خَرَجَ يَخْرُجُ خُرُوجاً ومَخْرَجاً، فهو خارِجٌ وخَرُوجٌ وخَرَّاجٌ، وقد أَخْرَجَهُ وخَرَجَ به. واصطلاحا هو المعاداة و الضد .وهو الانقلاب فيأخذ اشكالا متعددة ، منها الشكل الفكري و منها الشكل العنفي ، حين تمتزج الفكرة بالرغبة للسيطرة حتى يتحول صاحب الفكرة الى ضرورة مواجهة الضد لنزع السلطة من يديه .
و إنّ كلمة الفتنة استخدمت قديماً بمعنى الاختلاف والصراع حول الآراء والأفكار، وقيام الأحزاب والتيارات الفكرية المتصارعة، واستخدمت بمعنى (الثورة)، أي الوثوب ووقوع الابتلاء والامتحان..
الان لنفعّل هذه المصطلحات تطبيقيا على الاحداث نفسها :
الحدث الاول : “الحسين و الامويين”
الحدث الثاني : “العباسيين و الامويين”
الحدث الثالث : “ثورة القاهرة الاولى 1798 على الفرنسيين ، و الثانية 1800”
الحدث الرابع : “العربية الكبرى 1916”
الحدث الخامس :”ثورة 1952 في مصر”
الحدث السادس: “ثورة 1958 وانهاء الملكية في العراق”
اذا طبقنا المعنى اللغوي و الاصطلاحي (العربي حصرا) ، سنرى ان ما جرى لم يكن اكثر من “خروج ، انقلاب، قيام” اساسه “السلطة Power ” فبعد انتزاع السلطة من صاحبها الذي يؤمن بانه الاولى فيها، لم يكن امامه سوى الخروج على المستبد واسترجاعها، اذاً فهي عملية اعادة الدائرة الى الحلقة الاولى . ولم يكن الفكر السياسي(ان وجد) العربي يفكر في تغيير النظام من اعماقه ، فلم نجد نصوصا وادبيات ساهمت في تشكيل العقل العربي لتوجهه نحو الرغبة في تصحيح المسار او تطويره ، فالثورة هي ليست فقط قلب نظام الحكم ، بل هي اداة استمرارية وتطورية تسعى الى انهاء الماضي اولا ، ثم الاستمرار نحو الامام ، وليس الابقاء على القديم(الاول) اقصد به قديم المتنازع الاول .
لنرى هذه المعادلة :
س = المتنازع (الثائر) ( لديه افكار ومعتقدات ثابتة تنبع من بيئته )
ص = المسبتد (صاحب السلطة) لديه افكار ومعتقدات من نفس البيئة على اختلافها )
س يقوم على ص = تغيير رأس النظام ، و الابقاء على فئات وعناصر المجتمع القديمة نفسها ، وهو انزياح للاولى على الثانية، ما يعني انتفاء فكرة ” الاستمرارية و التطور) .
اذاً فما جرى في التاريخ العربي الاسلامي هو مجرد تغيير لرأس السلطة لا اكثر .
وهذا يعني ان “مصطلح الثورة” لم يجد له مكانا الى اليوم بين طيات العقل العربي.
وحول ما جرى في القاهرة عام 1798 و 1800 ذكر مؤرخ الحملة الفرنسية عبد الرحمن الجبرتي : ان مجموعة من المتمردين خرجوا على السلطة وعاثوا في الارض فسادا بعد ان حشدهم مجموعة من العلماء(الصغار) الذين شعروا بالغبن بعد ان استأثر مجموعة النخبة بالامتيازات التي منحها لهم نابليون . اعني هنا مؤسسة الازهر.
اما ما يسمى ثورة 1916 التي قادها الشريف حسين ، فهي تماما ايضا عملية الحصول على مكاسب السلطة نتيجة الشعور بالاضطهاد من قبل سلطة اعلى ، ولم تغير جذريا او شكليا على الاقل قاع المجتمع .