البدو، الحضر، الدولة [العثمانية] – القسم الأول ملاحظات حول نفوذ قبيلتي العبيد و شمّر في القرن التاسع عشر؟


البدو، الحضر، الدولة [العثمانية] – القسم الأول
ملاحظات حول نفوذ قبيلتي العبيد و شمّر في القرن التاسع عشر؟
يمنع الاقتباس دون ذكر المصدر.

عمر جاسم، البدو، الحضر، الدولة [العثمانية] – القسم الأول ملاحظات حول نفوذ قبيلتي العبيد و شمّر في القرن التاسع عشر؟

“الأماكن التي تستسلم للبدو سرعان ما تُدَمَر، تلك هي طبيعتهم في نهب كل ما يمتلكه الآخرون، تكمن معيشتهم حيثما تسقط ظلال رماحهم، لا يميزون حداً في أخذ ممتلكات الآخرين” – ابن خلدون، المقدمة، 118.

“يفخر البدو أشد الفخر بحريتهم، ويمتلكون شعورا جامحا باستقلاليتهم، ولا يوجد ما يعلو في نظرهم على الحياة في الصحراء، مصدر احتقارهم لأي إكراه، وأية حكومة وضرائب، وللخدمة العسكرية، ومنبع نفورهم من الاستقرار والعمل المنظم، والحق يقال ان البدوي لا يتخلى الا في حالات الضرورة القصوى، عن بداوته، تنظر القبائل البدوية الكبيرة بازدراء الى البدو نصف المستقرين، ويظن هؤلاء الأخيرون أنفسهم نبلاء مقارنة مع الفلاحين” – ماكس فرايهر فون اوبنهايم، 1/81.

هذه المقالة في جزء منها تبحث في الأبعاد الجيوسياسية لنظام استخدام القبائل كأداة بيد الدولة في المنطقة الممتدة من الفلوجة الى سامراء شمالا وصولا الى نصيبين وماردين ومنطقة رأس العين في الحسكة السورية، وتتبع الاقوام والقبائل التي كانت تعيش في هذه المنطقة، حيث التداخل والتصادم كان في أعلى مراحله بدايات القرن التاسع عشر، مع صعود قبائل وانهيار أخرى تبعا لموقف الدولة العثمانية وحاجتها من ادامة او ازالة هذه القبيلة او تلك، وهذه المقالة لا تبحث في أصول العشائر وطبيعتها التكوينية بقدر ما تبحث في ترجمة النظام القبلي وأثره على الحياة الاجتماعية والسياسية في المنطقة.

كلمات مفتاحية : قبيلة شمّر، قبيلة العبيد، رأس العين، الاكراد، الايزيدية، الشيشانيين، القوقاز، الألقاب العثمانية، المليشيات.

تقديم :
شهدت الأراضي العربية التي كانت تحتلها الدولة العثمانية تدنيا وانهيارا على مستويات عدة منذ القرن السابع عشر وحتى أواخر القرن التاسع عشر، بدءا من الكتابة التاريخية وانتهاءا بالتدني الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وكانت الحملة الفرنسية على مصر إحدى أهم نتائج ذلك الانهيار في البنى الاجتماعية – الاقتصادية، وقد مثّلت تلك الحملة ضربة قاصمة للنسق الشرقي، وأظهرت مدى الانحدار الذي وصلته المجتمعات في ظل سلطة الدولة العسكرية[العثمانية]، ونشأت الحكومات المحلية، وصارت السلطة تتبع تجمعات وتكتلات صغيرة، ونشأت الافكار الراديكالية الدينية، ووقعت حروب أهلية طائفية ودينية في مصر ولبنان والعراق وسوريا والجزيرة العربية، وكانت الحركة الوهابية أقوى تلك الحركات، بالإضافة الى قوة النظام الطائفي الذي اتبعته الدولة العثمانية في لبنان ثم نسخت ذلك النموذج على بقية الاراضي التي كانت بحوزتها.

كما أسست الدولة العثمانية لنظام الاستجلاب للأقوام غير العربية من شرق آسيا، واعطت اراضي واسعة وحيوية للشيشانيين في منطقة رأس العين الواقعة شمال محافظة الحسكة على الحدود السورية التركية، وقبل ذلك كان المماليك أصحاب السطوة والنفوذ والتأثير الاكبر في العراق وسوريا ومصر، تأثيرا لم يقتصر على السياسية فحسب، بل ضرب أعمق الجذور.
فضلا عن نشوء النزعة القبيلة بقوة حتى باتت القبيلة هي الصورة الأكثر حضورا في المشهد اليومي للمنطقة، وانحسرت فرص ايجاد نظام مدني – حضري، وازدهرت القبيلة لتجد لها قبولا حتى لدى دعاة التمدن؛ لان القبيلة وهي النموذج الذي يُفقِدُ المدينة خصائصها اثناء الانتقال من الحياة البدوية الى الحضرية، وأخطر مرحلة في التأثير هي مرحلة الانتقال.
وشهدت المدن الحضرية صراعا جوهريا بين مقوماتها وبين مزاج القبيلة، وكانت المدينة – بما فيها من موارد – على موعد مَعَ نظامٍ جديدٍ عَمِلَ على تفكيك بناها وانماطها، واستُبدِلَت ريشةً الرسّامُ بسيفٍ قاطع، واستَبْدَلَ الحدادُ قطع الحديد بقطع الرؤوس.

أولا : قبيلة العبيد
العبيد هم القبيلة الزبيدية الوحيدة التي تمتلك ماضيا كبيرا، فقد كانت سيدة الجزيرة بأسرها، باعتبار ان صعودها تزامن مع تراجع قبيلة الموالي من الفرات الاوسط(النصف الثاني من القرن السابع عشر) وبدأ انحدارها مع قدوم شمّر.
كانت قبيلة العبيد على قدر من الأهمية اذ منح الشيخ عبدالله الشاوي(الشاوي : راعي الغنم) لقب البيكوية في حاشية باشا بغداد وصار اخلافه وسطاء رسميين بين الحكومة المحلية وبين السكان المحليين2، مما اعطاهم مكانة خاصة بالنسبة لبدو بلاد الرافدين، وتمكنوا من التوسع والانتشار صارت مناطق نفوذهم من نهر الخابور الى ابواب بغداد، ومن تكريت الى الشامية، وكانوا معفيين من الضرائب.
ولان القبيلة حصلت على هذه الامتيازات والألقاب، لاسيما لقب (الشاوي زاده)، وبعد ان صار شيوخ العبيد متميزون في بلاط باشا بغداد، كان من الطبيعي ان يستخدم الاتراك رجال القبيلة كقوات عسكرية غير نظامية ( مليشيات).

اشترك فوج منهم عام 1798 – 1799 في الحملة التي ارسلتها بغداد ضد الوهابيين في شرق جزيرة العرب، وتكفلت القبيلة بحماية الحدود من الخطر الوهابي، كما قاتلوا دفاعا عن الحكومة خلال الثورة الكبرى في العراق عام 1816.
لم يكن ممكنا لقبيلة العبيد ان ترتفع في سلطتها ومكانتها لو لم تكن للدولة في بغداد علاقات قوية مع شيوخها، وهي العلاقات ذاتها التي أدت الى انحدارهم لاحقا.
كانت قبيلة العبيد بشيوخها تمثل حلقة الوصل بين السلطة والرعية، اذ خدم افرادها طوال سبعين عاما كــ “باب العرب: أي كمفوضين للسكان المحليين، حيث مرت قضايا البدو جميعها بين ايديهم، وقدموا مبعوثي القبائل الى الباشا، واداروا المفاوضات، وسووا الخلافات.
كما ان عبدالله بيك الأب الاول لشاوي زادة بغداد يحمل رتبة مقدم في مليشيا اللاوند، ويتمتع كمستشار سياسي باحترام يتخطى منصبه كثيرا، حتى انه كلف عام 1768 بالتوسط بين حاكم البصرة والمنتفق أقوى قبائل دائرته.

كان شيوخ القبيلة يتعرضون لنوبات الغضب والرضى المفاجئة، ويحكم المزاج احوالهم، وكلما تغيرت الحالة المزاجية لشيخ القبيلة يصبح التأثير واضحا على العلاقة مع السلطة من جهة والعلاقة مع التابعين للقبيلة من جهة أخرى، فاذا كان الشيخ في مزاج ساخط على السلطة، دبرت له الحكومة مكيدة وأطاحت به، فقد دخلت القبيلة في معارك دموية ادت لاستنزافها، فرجال القبيلة الذين يتبعون مزاج الشيخ يدخلون على غير هدى في معركة ضد السلطة مهما كان شكلها، فقام العبيد بانتفاضة بعد اعدام الدولة العثمانية لشيخ القبيلة عبدالله الشاوي عام 1769 انتهت بانتصار ساحق سهل حققه الاتراك في العام ذاته.

وكان من طبيعة الدولة العثمانية ان تضرب القبائل والبدو بعضهم ببعض، فحين نقموا على حاجي سليمان ابن عبدالله الشاوي عام 1785 انتفض العبيد مرة أخرى، وامتد ميدان الحرب من الدجيل الى الشامية، وهدد البدو بغداد لبعض الوقت، ثم انفجرت ثورتهم الكبرى بعد شنق اثنين من اخوة سليمان عام 1802، وهنا بدأت قام باشا بغداد بتحريض أكراد الملّية* اعداء العبيد القدماء، لكنهم انهزموا امام العبيد، وعجز الباشا عن فعل شيء، فعبروا الفرات الى الصحراء السورية، وعادوا للظهور مرة اخرى عام 1805 على الخابور، فوصلت اوامر من السلطة العثمانية الى أميران كرديان وهمها باشا شهرزور وكويسنجق بطرد العبيد، الا ان الخطة فشلت، فقد انشغل الاميرين الكرديين بتصفيات حساباتهم القديمة فقتل باشا شهرزور زميله ودعا العبيد الى كركوك للاشتعانة بهم ضد حملة تأديبية تركية تهدده.
في هذا الوقت، كانت قبيلة شمر تتدفق لتوها الى جنوب سنجار لتستقر فيها، فأمرت الدولة العثمانية قبيلة شمر بملاحقة العبيد ومجابهتهم، فحققت شمّر انتصارا ساحقا على العبيد، وقتل في المعركة شيخها ضامن المحمد.

2 Comments Add yours

  1. sofia says:

    هل ذا كتاب ام بحث ، وكيف يمكنني الحصول على نسخه منه

    1. شكرا هذا بحث صغير لم اكمله بعد

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s