الاستشراق في المنظور الشيعي – الخميني والاستشراق المرادف لاستشراق سعيد 1/2


عمر جاسم – باحث في دراسات الشرق الاوسط

تبتعد التيارات السنية والشيعية عن بعضها بتباينات عقدية جذرية، تكاد تبلغ مرحلة شعور كل طرف بانه يتبع دينا مختلفا، لكنهم يتحدون في فكرة “مواجهة الاستشراق” والموقف السعودي – الايراني يتماثل من حيث الموقف، بينما يختلف من حيث مركزية الصراع ومركزية الافكار، فايران مثلا تعتبر نفسها مركزا لتوجه الغرب اليها متمثلا بكل محاولاته لتشويه  الثورة الاسلامية، في حين تتبع السعودية طريقة اكثر مرونة في التعامل مع الاستشراق، فهي من جهة تعتبر التعامل مع الغرب ضرورة لاستمرار تدفق الامن في المنطقة، بينما تفتح الافاق لمفكريها “السعوديين” خاصة، وتدعم المفكرين العرب-المسلمين الذين يفتحون النار تجاه الاستشراق فقد احتضنت الكثير من مفكري الاخوان المسلمين، فضلا عن وجود السلفية داخل حدود دولتها الفكرية.

واما عن موقف ايران من الاستشراق، فيتمثل في خطاب القاه الخميني في يوليو عام 1978 في نوفل لوشاتو بباريس بجمع غفير من الطلاب والايرانيين المقيمين، لا يختلف موقف الخميني من الاستشراق كثيرا من الموقف العربي، او بدقة أكثر من موقف ادوارد سعيد واستشراقه، يوضح الخميني في خطابه هذه جملة اسباب لاعتبار الاستشراق صورة واضحة للاستعمار، فالمستشرقين الذين اختصرهم بالسواح والجواسيس ليس لهم هم سوى البحث عن ثروات البلاد العربية والاسلامية، تماما كما يفعل سعيد حين يرسخ فكرة ثنائية الاستشراق-الاستعمار، لكن الخميني هنا يحدد “ايران” باعتبارها بنية مركزية للاسلام يبحث الغرب كل الغرب عن وسائل وسبل للانقضاض عليها، ولا يألو الخميني جهدا في ان يوضح انهم يبحثون في اصقاعها وارجاءها، ثم يتجه الخميني لدور الغرب في التفريق بين الامم عبر دراسة قبائلها، وهذا ديدن الغرب الذي دأب على ترسيخه سعيد ومن جاء بعده، يبدو واضحا دون شك ان فكرة الاستعمار الملاصقة للاستشراق كانت طابعا وسمة لمنطلقات التفكير الشرقي تجاه الغرب، ثم يحدد الخميني ثلاثة انواع رئيسية من الاستشراق ويصنفه حسب الدول “يعطي الاستشراق الأمريكي اولوية ثم يتبعه بالانكليزي ثم الروسي، فيعود للتأكيد على الامريكي”.

ولا يكتفي الخميني بذلك، بل يشير صراحة الى ان كل من يتعامل مع الاستشراق فهو قد خان بلاده خيانة عظمى، ما يعطي الشعور بان الدارسين الشرقيين للشرق الذين تلامسوا مع الغربيين ليسوا أكثر من جواسيس على بلادهم.

نظرة الخميني هذه والنظرة الاسلامية عموما للاستشراق أسست لفكرة الصراع الغربي الشرقي دينيا وعززت شعور المسلمين بضرورة التصدي بكل اشكال المقاومة للاستشراق.

لكن يبقى السؤال : لماذا لم يكلف المسلمون انفسهم في دراسة الغرب؟ مثلما فعل الغرب بدراسته للشرق؟ هل لان الشرقيين لا يحبون التجسس على الدول الأخرى؟ ام انهم لا يمتلكون مؤهلات الغربيين في البحث؟

هذا نص الخطاب :

 “وفي كل الأحوال فقد انشغلت هذه الدول العظمى وهذه القوى الكبرى بدراسة اوضاع وأحوال تلك البلدان الاسلامية وخاصة التي تمتلك ثروات، وفي مقدمتها ايران، واذا لاحظتم فان هؤلاء السائحين قد شقوا طريقهم الى الشرق منذ اكثر من ثلاثمائة عام، وجاءوا تحت مسمى السياحة، ولكنهم كانوا موظفين سياسيين قاموا بدراسة هذه البلدان الشرقية، والذين قدموا الى إيران اخذوا يبحثون ويدرسون كل ما يتعلق بالمدن والقرى هناك.

وحتى الصحارى التي لا يوجد فيها ماء ولا نبات، جاءوا اليها وهم يمتطون الجمال ويتحملون في سبيل ذلك الكثير من المشقة والعناء، وكانوا يتنقلون مع القوافل ويدرسون الاوضاع الجغرافية لهذه البلاد، والأهم من ذلك يدرسون بدقة الثروات مثل الذهب والنحاس والبترول والغاز وكل ماهو موجود، ويرسمون الخرائط بكل الأماكن التي تضم ثروات تلك البلدان، والأماكن التي نعرفها في ايران، و التي كانت مفيدة ونافعة لهم، ويضعون علامات عليها ويسجلونها ويثبتونها، وقبل أن تطأ اقدم أمريكا هذه البلاد كان الانجليز هم السباقين وكذلك الروس وبعض البلدان الأخرى.

على أية حال فان بلادنا وبلدان الشر كانت موضع دراسة وطمع من قبلهم منذ ما يقرب من ثلاثمائة عام أو أكثر بقليل، وكلما تقدموا في هذا العمل كثر خبراؤهم وتعمقوا في تخصصاتهم، ووفدوا بأعداد أكبر الى تلك البلاد، واستقوا جميعا معلوماتهم من سكانها انفسهم في الغالب الأعم.

وكانوا يدرسون معنويات القبائل التي تضمها ايران مثل قبيلة البختيارية وقبيلة القشقائية وأمثالها دراسة وافية حتى يتعرفوا على معنوياتهم وأحوالهم والى أي مدى يمكنهم الاستفادة منهم، كما أنهم كانوا يقومون بدراسة المحافظات والقرى، كل القرى الموجودة في ايران، ومنها القرى النائية والجبلية وغير ذلك، اي انهم كانوا يرسلون الخبراء فيرسمون لها الخرائط ويسجلون كل ثرواتها وكل مايجدونه جديرا وقيما فيها، وقد اعدوا انفسهم لغزوها، غاية الامر ان القائمين على الامر من سلاطين او رؤساء كانوا مختلفين في تحقيق مصالحها، فاحيانا لم يكونوا على درجة كبيرة من الخيانة، واحيانا كانوا على درجة كبيرة من الخيانة حيث استسلموا بكافة المقاييس”.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s