مفهوم ومصطلح “الاحتلال” – قبل نشوء الوعي القومي – العروبي
زمن الحملة الفرنسية على مصر 1798-1801
– عمر جاسم
الكثير من الدراسات العربية تشير الى ردة الفعل المصرية تجاه الحملة الفرنسية على مصر ونابليون بانها “مقاومة” وتصفها بالحركة القومية الأولى، وترجع اليها اولى مراكز النشوء المفاهيمي للوعي العربي بالوطن والامة.
وبنيت دراسات وافكار وأسس ومسلمات تدل على ان ما جرى في مصر كان احتلالا من قبل الفرنسيين، وما جرى في حركتي تمرد القاهرة الاولى 20 أكتوبر 1798 والثانية 21 أبريل 1800 على انها حركة مقاومة وحركة الاستقلال الاولى في العالم العربي.
وانا اميل الى تسميتها بــ “حركة التمرد” لاسباب عديدة، لن اوردها هنا، ستكون في بحث قيد النشر قريبا، لكني ساعتمد بعض الملاحظات التي تنفي صفتي “الاحتلال، والمقاومة” من مفاهيم حقبة الحملة الفرنسية على مصر.
اولا : لم أجد في مؤلفات الجبرتي الثلاثة : : تاريخ مدة الفرنسيس بمصر، و مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس، وعجائب الاثار في التراجم والأخبار، اية اشارة او كلمة او مصطلح له دلالة تشير الى “الاحتلال، المقاومة، الثورة، الوعي القومي، حركة، استقلال، مجتمع، وعي،او اية كلمة او مصطلح او مفهوم او دلالة ، او حتى اشارة بسيطة يمكن تأويلها على انها تؤدي معنى من المعاني التي طرحها الباحثون والمؤرخون العرب حول ما اسموه” حركة الاستقلال، ثورة القاهرة، الاحتلال الفرنسي، او الى ما يتعلق بها من مصطلحات دلالية او كلمات مفتاحية، او عبارات تمنحنا ولو فرصة ضئيلة لفهم ان حركتي التمرد تلك تعطي مفهوما معاصرا لحركات الاستقلال ومقاومة الاحتلال.
ثانيا : يمكنني الاستدلال بكل بساطة وسهولة، ويمكن لأي قاريء كذلك، حتى ولو كان قارئا عاما وغير متخصص بالدراسات التاريخية او اللغوية، ان المجتمع المصري كان ينظر الى الحملة الفرنسية بالصورة نفسها التي نظر فيها الى الدولة العثمانية، بمعنى، ان احتمالية وجود معرفة قديمة بالاحتلال ضئيلة جدا وتكاد تكون معدومة، فالمجتمع المصري كان يتعامل مع الحاكم بوصفه حاكما شرعيا طالما اظهر انه “مسلم” يحكم بشرع الله ودينه، فالعثمانيون الاتراك، مثل الفرنسيين، مسلمين، لكنهم ليسوا عربا، اذا، فان النظرة هي نظرة دينية، نابعة من الفهم والوعي الاسلامي لفكرة ولي الأمر “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ”. ويمكن الاستدلال على ذلك من قراءة تحليل الجبرتي لنص خطاب نابليون الذي وجهه الى الشعب المصري، والذي خاطبه بأهم ثلاثة مسائل ” طاعة الباب العالي العثماني، تخليص المصريين من المماليك، الهجوم على الكرسي البابوي”
ماذا تعني كل من هذه المسائل الثلاثة؟
طاعة الباب العالي : التأكيد على استمرارية وجود الخلافة الشرعية العثمانية التي ينظر اليها المصريين على انها التمثيل الرسمي للنبوة، ولان المجتمع المصري يميل الى الوعي الديني – الصوفي بغالبه، فان تأكيد نابليون على هذا الوعي كان في محله، فشعر المصريون بالامطئنان على استمرارية الإرث النبوي.
تخليص المصريين من المماليك : حتى مع ما فعله المماليك من انتهاك حقوق الشعب المصري، والتخلف والتردي الذي عاشته مصر بسببهم، الا انهم مع ذلك استمروا في توجيه المحبة الروحية اليهم، باعتبارهم مسلمين ايضا، ولو قدر لنابليون ان يخاطب الشعب المصري فقط لتخليصهم من المماليك دون ان يذكر الفقرة الاولى من طاعته للباب العالي، لم حصل التأييد، اذا فان وجود وارتباط مواجهة المماليك مع الباب العالي، تؤكد ايضا ان منظور الشعب المصري الى القادمين الجدد هي نظرة دينية وليست نظرة وعي بالدولة والامة.
الهجوم على الكرسي البابوي : لم يكن المجتمع المصري مجتمعا متسامحا دينيا، فقد كان يمعن الايذاء بالاقباط الموجودين في مصر، وكانت الاحكام التي اطلقت بحق المسيحيين في مصر مجحفة، تعدت ارتدائهم ازياء خاصة لتمييزهم عن الاخرين، لذا فان تأكيد نابليون على مهاجمة المسيحية هي اعلان صريح موجه الى المصريين، باننا نحقق امانيكم في ضرب الكفر في عقر داره.
وعلى هذا لا يمكن اطلاق المفاهيم جزافا واسقاطها دون وعي او استدلال كامل به.