ملاحظات حول الاستبداد والاسرة العربية: مقاربة تاريخانية


ملاحظات حول الاستبداد والاسرة العربية، عمر جاسم

ليس بوسع المرء، وهو يراقب مجتمعه القريب و المحيط، الا ان يرى بشكل جلي ذلك الانحدار الذي وصل اليه، وان يقرأ الحاضر مستعينا بالماضي القريب والبعيد، وتحليل حالة المجتمع باعتباره كائن هلامي فيزيقي، والذي يعتبر حقلا واسعا للدراسة، ان مجتمعا كالذي أعيش فيه، كان قد تدرب وتمرس بشكل صامت في سنوات ماضية طويلة على الكره و الحقد و الاحكام المسبقة و التعميمية والشمولية والحلول الرادعة التفكيكية، لانه لم يكن يملك – على الاقل- قدرة على التعبير عن رأيه بشكل عفوي دون تدخل خارجي، وهكذا صارت تلك الممارسات الخفية في الماضي، علنية بعد حرب 2003 على العراق، فقد انتهى الرادع الذي كان يبقيهم في مرحلة التدريب.

اللاعبون يتغيرون لكن قواعد اللعبة ثابتة، ان التربية تعيد انتاج النظام في كل جيل، وهو ما يسمح بفهم انه عند حدوث كل واقعة دائما يتم اختيار الافعال من النظام التربوي القديم نفسه، وان قوة العادة هذه هي احد المباديء الكبرى لاستمرار الحكومات، الى درجة انها تدعمها عندما تضعف، وتخفي انحطاطها وذلك بحيث انه لدى ابسط حركة، نفاجأ برؤية الدولة وهي تسقط، كتلك الاشجار التي تبدو عفوية، لان قشرتها ثابتة، في حين ان خشبها قد استحال الى ذرور وما عاد يبدي اية مقاومة للرياح.

وهكذا فان التربية تصون آثار حدث اولي وتحول دون تدشين نظام جديد، والواقع انها هي التي تساعد على تكريس الماضي، فهي تستخدم للقضاء على الشجاعات بالاعتراف بالاخر، ويستولي الخوف و الجفاء على المخيلة، والحال ايضا، ان التربية الاستبدادية والاستخدام الدائم للقوة وفق المباديء العسكرية انما يؤديان الى اعادة صوغ شاملة للمجتمع الذي يصبح مجتمعا استبداديا بامتياز، وعندما يجري تسيير كل شيء بالقوة(وهو لابد منه بالضرورة في مجتمع يكون فيه كل حشد من التكتلات البشرية في كل مرحلة من مراحل الاحداث، كما في الدولة، قربانا لسيد واحد) يجري اخماد لهب الفكر وتقييده باصفاد تشريع بربري، وهكذا يؤبد الاستبداد الجهل ويؤبد االجهل الاستبداد، وهناك ماهو أكثر من ذلك، فهذه السلطة الاستبدادية تصبح عادة، والعادة تؤكد الاعتسافات، ان الاستبداد هو أشبه ما يكون بكتلة ضخمة، اذ تنيخ على أعمدة من الخشب، تضعف مقاومتها وتحنيتها وتهشمها من يوم الى آخر.

وينجم عن ذلك ان النظام الاستبدادي ليس غير قابل للمساس، لانه مضاد للطبيعة. فبالامكان تغييره لان قيامه وسير عمله لايرجعان الا الى ظروف طارئة تاريخية وسياسية. والناس يغيرون القوانين لكنهم لا يغيرون المناخ، الا انه بما ان النظام الاستبدادي هو نظام يعيد نفسه باستمرار، فانه لا توجد امكانية لأي تطور داخلي.

كنت أنوي وانا اكتب الكلمات اعلاه، ان اتحدث عن الموقف الآني لمجتمع مدينة الموصل حول اعلان تلعفر وبعض الاقضية الأخرى محافظات، ولكني آثرت ان ارجع الى التأسيس لهذه المواقف لفهمها بشكل أعمق، حتى لا ادخل في مجال الانفعال الآني غير المنضبط و اللاعقلاني في التفاعل مع الاحداث.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s