حالة الحضارة ، عمر جاسم
أرجع إميل بنفنست Emile Benveniste ظهور مصطلح الحضارة بمعناه الحديث الى عام 1757 تحت قلم المركيز دو ميرابو في الرسالة التي تحمل عنوان “صديق البشر أو بحث حول السكان” : “لا جدال في ان الدين هو اول واصلح كابح للبشرية، انه المحرك الاول للحضارة”. وهكذا تستحضر الكلمة الاتجاه الى جعل الحياة في المجتمع اقل عنفا، واكثر تمدنا، ومن ثم أكثر تحضرا، والى هذا الاتجاه المعني، يضاف نحو اواخر سبعينات القرن الثامن عشر المعنى الاكثر تحددا، معنى الانتقال من الحالة الوحشية الى حالة المجتمع، وبايي Jean-Sylvain Bailly هو احد اوائل من استخدم المصطلح بهذا المعنى في عام 1779، ورابو سان- ايتيان في عام 1787 يعد اكثر دقة وتحديدا في “رسائله الى سيلفان بايي حول تاريخ اليونان البدائي Lettres sur l’Atlantide de Platon et sur l’ancienne histoire de l’Asie, pour servir de suite aux Lettres sur l’origine des sciences حيث يدرس “ذلك العصر المثير للاهتمام عندما انتقل الانسان من الحياة الوحشية الى حياة الحضارة”.
الا ان فولني وجد في اواخر تسعينات القرن الثامن عشر، في رده على روسو، ان من المستحسن تعريف مفهوم الحضارة، فانه يفكر اولا في ذلك الاستعمال، المرادف للنضال ضد العنف “لو كان- روسو- بعد ذلك، عند تعريفه للحضارة، قد استمد معنى الحضارة من عين معنى الكلمة الجذر Civitas لكان بوسعه ان يبين ان ما يجب علينا فهمه من كلمة الحضارة هو اجتماع هؤلاء البشر أنفسهم في حاضرة، اي في نطاق مشترك من البنايات السكنية المزودة بدفاع مشترك، لحماية النفس من النهب الاجنبي ومن الفوضى الداخلية، ولأمكنه ان يبين ان هذا الاجتماع يجر معه افكار الاتفاق الحر بين افراده وافكار صون حقوقهم الطبيعية في حرمة وسلامة اشخاصهم وممتلكاتهم وافتراض او وجود عقد متبادل ينظم استعمال القوى ويقيد حرية الافعال اي يؤسس، باختصار، نظام عدل، ولأمكنه من ثم ان يبين ان الحضارة ليست شيئا آخر غير حالة حافظة وحماية للاشخاص والممتلكات، وانه ما من متحضرين حقا في العالم سوى الشعوب التي تتمتع بقوانين عادلة وبحكومات نظامية.