الفيلسوف السياسي الفرنسي جان بودان (1530 ـ 1596) كتب الجمهورية الستة


الفيلسوف السياسي الفرنسي جان بودان (1530 ـ 1596)

كتب الجمهورية الستة

ربما يكون جان بودان منسياً بعض الشيء اليوم. وفي الفكر السياسي وتاريخيته، من المؤكد ان من يعتبر عادة منافسه الرئيسيّ فكراً ومنطقاً – أي الإيطالي نيكولو مكياڤلي (صاحب «الأمير») – يفوقه شهرة بكثير، ما يجعل من الممكن الافتراض، بأن «المعركة» الفكرية التي خاضها بودان ضد فكر ماكيافيللي انتهت لمصلحة هذا الأخير، وحتى على مستوى التلقي الشعبي للفكر السياسي، دخل «الأمير» في الوعي العام، سلباً أو ايجاباً، كجزء اساس من الفكر السلطوي، فيما يبدو بودان (ولا سيما نصّه الأشهر – في زمنه – «كتب الجمهورية الستة») غائباً تماماً، بالكاد يحفل به احد خارج نطاق الجامعات والحلقات الفكرية الضيقة.

هذا كله يكمن في سطح الأمور فقط، فإذا كان «أمير» ماكيافيللي بقي في الذاكرة الشعبية، بذاته كمرجع يستدلّ به ويستند إليه، فإن فكر بودان بقي أيضاً من خلال مؤثراته ومن خلال كونه مرجعاً اساسياً، لبعض اهم نتاجات الفكر السياسي العالمي، خلال القرون الأربعة الأخيرة. ذلك ان كتاب بودان كان له أثر متراكم وورثة استخدموه وطوّروه، ومن بينهم خصوصاً الإنكليزي هوبس، فيما ظل فكر ماكيافيللي قادراً على الحضور من دون ورثة حقيقيين، ومن دون ان يشكل مرجعاً يستند إليه اي فكر سياسي تالٍ. بل لعلنا لا نعدو الحقيقة إن قلنا ان «الأمير» يعيش في سلبيته، ومن خلال ما يؤاخذ عليه، فيما بودان يعيش كخطوة انعطافية في مسار الفكر السياسي العالمي الممتد من «جمهورية افلاطون» حتى العصور الحديثة. ولنقل بالأحرى ان الفارق الأساس بين الاثنين يكمن في ان «الأمير» اهتم برسم الواقع انطلاقاً من نظرة سوداوية الى السلطة وممارساتها في زمنه، فيما نصّ «كتب الجمهورية الستة» يكاد يكون تلخيصاً لتطلعات الفكر في المجال السياسي، وأحياناً من موقع «طوباوي» كان يبدو في زمنه غير قابل للتطبيق.

وقد أصاب المفكرون الذين كانوا يرون ان ماكيافيللي وبودان، على تناقضهما، كانا متكاملين، بمعنى ان واحدهما يرسم الواقع وينطلق منه، فيما يرسم الثاني ما يجب ان يكون عليه الواقع.

صدر كتاب جان بودان (ستة كتب عن الجمهورية) بتاريخ 1576م لغرض التركيز على دعم الملكية لأنها تحكي السلم والنظام حيث يعتبر وجود الواقعية عند ثبوت الصلة بين الفلسفة والأخلاق وبين القانون وعلم السياسة.

ويحدثنا (جورج سباين) عن كتاب (بودان) بأنه دفاع عن السياسة ضد الأحزاب فهو إذ نشر بعد أربع سنوات فقط من مذبحة (سان بارتلوميو) شكَّل الإنتاج الفكري الرئيسي مجموعة متزايدة من مفكرين معتدلين يعرفون بإسم السياسيين رأوا في السلطة الملكية عماد العلم والنظام ولذلك سعوا إلى أن يرفعوا الملك باعتباره مركزا للوحدة الوطنية فوق جميع المذاهب الدينية والأحزاب السياسية.

وكان بودان معتقدا بأن الدين مدمر وأنه مستمد من المنفعة إلاّ أنه أوصى بالتسامح الديني كما هو رأي المحققين السياسين إلاّ أنه تعرض في كتابه (الجمهورية) إلى كون الدولة لابد أن تقوم على النظام والوحدة وقد جمع (بودان) بين الفلسفة القديمة والحديثة وأصر على وجوب دراسة كل من القانون والسياسة في ضوء بيئة الإنسان المادية والمناخ والتضاريس والجنس وليس في ضوء التاريخ فحسب.

وجاء (بودان) إلى تعريف الدولة بأنها (حكومة شرعية من أسر عدة ومن ممتلكاتها المشتركة ولها سلطة غالبة). فجعل (بودان) وجود العلاقة بين الدولة والأسر ولذا تحدث عنها من حيث الزواج ورابطة الأب مع الأبناء والملكية الخاصة مع الرق وكلها جعلها في إطار الأسرة ويرى أن الأسرة المكونة من الأب والأم والأطفال والخدم مع الملكية المشتركة المسماة بالمجتمع الطبيعي ويعتقد (بودان) أنه لابد أن تتحقق لرب الأسرة السلطة الكاملة على الأشخاص وعلى ما يمتلكونه فعلى هذا تكون الأسرة تكوّن وحدة طبيعية وبهذا تجد (بودان) يعرّف الدولة بأنها: حكومة من الأسرة. وتحصل دفاع مشترك بين الأسر فإذا تم من خلال توحيد السلطة بين الأسر تثبت الدولة.

وقد اقتبس (بودان) فكرة السلطة والسيطرة للدولة من خلال سيطرة الأب على الأسرة من الكتاب المقدس والقانون الروماني بخلاف ما ذهب إليه أفلاطون بأن الملكية من صفات الأسرة النابعة عن المجال الخاص والدولة نابعة من المجال العام وتراه يفكك بين السيادة والملكية فالملكية للأسرة والسيادة للأمير ولكن (بودان) يعتبر حق الملكية متأصلاً في قانون الطبيعه.

ويرى (جورج سباين) عدم وضوح (بودان) في التفرقة بين سلطة الملك وسلطة رب الأسرة قائلاً: لو أن غرض (بودان) كان حقا أن يفرق بوضوح بين سلطة الملك السياسية وما لرؤساء الأسر من حقوق خاصة وسلطات لوجب أن يتمعن بعناية في الإنتقال من تلك التجمعات التلقائية من الأسر حيث لا وجود لسلطة ذات سيادة إلى الدولة حيث توجد هذه السلطة والحقيقة لم تكن لدية نظرية واضحة عن هذا الإنتقال.

ويرى (بودان) أن في السيادة وجود كيان الدولة التي تفترق عن سائر التجمعات ويعرفها في مجال آخر بأنها سلطة عليا على المواطنين والرعايا لا يجد منها القانون.

وذهب (بودان) إلى تعريف المواطنة بأنها الخضوع لعاهل . ولا يشترط أن يكون المواطنون لهم لغة واحدة أوديانة مشتركة وقد تكون لمجموعات شتى منهم قوانين خاصة أو أعراف محلية يبيحها لهم الملك وقد يكون لأهل مدينة إمتيازات أو إعفاءات معترف بها وقد يسمح لهيئة جماعية أن تضع قواعدها وتنفذها لأغراض معينة.

ويرى بودان عند أجتماع اللغة والعرف والدين والقانون يطلق عليه أسم المدينة ولا يرى (بودان) الملك مسؤولاً قانونا أمام رعيته وإن كان مسؤولاً أمام اللّه وخاضع لقانون الطبيعة حيث أن قانون البلد يصدر من الملك ومن ثم فأي تقييد لسلطة إصدار الأمر يجب أن يكون خارجا عن نطاق القانون فالصفة الأصلية للسيادة هي سلطة وضع القوانين للمواطنين بصفتهم الجماعية أو لكل منهم على حده والصفات الأخرى، سلطة إعلان الحرب وعقد معاهدات السلام وتعيين كبار الموظفين والقيام بدور محكمة آخر درجة ومنح الإعفاءات وسك العملة وفرض الضرائب هذه كلها نتائج مترتبة على مركز العاهل بوصفه رئيس الدولة القانوني.

ويرى (بودان) بإمكان القانون أن يغير العرف ولكن لا يمكن أن يغير القانون .

ويمكن في نظر (بودان) تعدد نوعية الحكم بواسطة اختلاف المكان ولكن لا يمكن تعدد نوعية الدولة وأشكالها وتتم السيادة في هيكل الملكية.

ويؤيد (بودان) وجود أعضاء استشارية للحكام، ولكن لا يمكن أن يكون هذا تفويضا ولا يمكن أن يلتزم الحاكم قانونا بالمشورة التي تقدم إليه فإذا تقيد ملك بقانون يصدره مجلس الطبقات ففي هذه الحالة تمكن السيادة حقيقة في المجلس وتكون الحكومة طبقة استقراطية وهذا في رأي (بودان) هو الحال في الامبراطورية القائمة في أيامة كذلك إذا كانت سلطة الحسم والتنقيح النهائية تكمن في نوع ما من الهيئة الشعبية فعندئذ تكون الحكومة ديمقراطية .

ويفرق (بودان) بين الدولة والحكومة، فالدولة تنحصر في تملك السلطة ذات السيادة والحكومة تنحصر في الجهاز الّذي تجري ممارسة مثل هذه السلطة عن طريقه.

ويعتقد بودان أن الملكية لابد أن تكون وظائف البرلمان استشارية .

كما وأنه يرى أن كل هيئة لا يمكن أن تشكل إلاّ بإذن الحاكم وأن جميع سلطاتها مستمدة من رضاه.

يرى (بودان) أن الحاكم مقيد بقانون الرب وقانون الطبيعة وأن القانون مجرد عمل ناشئ عن أرادة الحاكم .

وعندما احتمل بودان وجود تعارض بين الإلتزام بقانون الطبيعة أو بإرادة الحاكم قال: أنه في آن واحد إرادة الحاكم تقع تعبيرا عن العدل الخالد إلاّ أن الاثنين قد بتعارضان وتراه في مجال آخر يقول: إن الحاكم هو في آن واحد مصدر القانون وخاضع لقوانين دستورية معينة لم يضعها ولا يستطيع تغييرها.

وبالجملة يعتقد (بودان) بعد تعريف السيادة أن التاج هو الجهاز التشريعي والتنفيذي الرئيسي في المملكة ثم تجد (بودان) في نظره حول تعريف الثورة بأنها إخراج السيادة من مكانها[8]. وأكد على منع الثورة ويرى أنه على الملك أن لا ينحاز إلى أية فرقة وإنما ينبغي له أن يتبع سياسة توفيق فيستخدم القمع في حذر ولايستخدمه إلاّ حيث يكون هناك قوى في النجاح.

وأشار (بودان) إلى وجود العلاقة بين البيئة الطبيعية والخصائص القومية كما سار عليه أرسطو وكان بودان يرى أن الشعوب الشمالية كبيرة وقوية جسمانيا ولكنها بطيئة الحركة والتفكير والشعوب الجنوبية نحيفة البيئة خفيفة الحركة وتتفوق في النباهة والمهارة.

ويرى (بودان) أنه لابد أن يلتزم الحاكم بالوفاء بالمعاهدات والمحالفات وتأسف من بعض الأمراء بعدم التزامهم بالوعود وهم في عرض جهة نقد نظرية (مكيافلي) حيث يرى جواز نقض المعاهدات ويركز (بودان) إلى أن الدولة المنظمة هي التي لها السيادة غير المنقسمة وتوجد بشخص واحد، نقف إلى هذا الحد من البيان.

One Comment Add yours

  1. Adnan says:

    شكرا على هذا المقال الرائع ، لدي تساؤل هل بإمكانكم إفادتي بخصوص ما قاله جان بودان في الكتاب الخامس من الجمهورية . بالضبط ما يتعلق حول الحتمية الطبيعية إن كان ممكن.

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s