الاسرة الجليلية في الموصل 1724 – 1834م ، عمر جاسم


الاسرة الجليلية في الموصل 

-عمر جاسم 

 Image

تجمع اغلب المصادر التاريخية على ان اصل هذه الاسرة تعددت فيه الاراء حيث ان المصادر التاريخية والرسمية لاترقى الى اكثر من عبدالجليل بن عبدالملك الذي لم يكن عريقا في الموصل اذ كان عبدالملك قد نزح اليها من الاناضول حيث امتهن التجارة الاقليمية بينها وبين الموصل،فاستطاع ان ينمو بتجارته وشؤونه،كما عرف عنه تملكه أقطاعيات واسعة في منطقة قره قوش.

وتشير المصادر التاريخية ان ثمة مساعدات مالية قدمتها هذه الاسرة بهدف تجهيز فصائل من الجيش العثماني والتي اشتركت في الحملة العسكرية التي قادها والي بغداد احمد باشا سنة 1723-1747 ضد الهجمات الصفوية ،تلك المساعدات التي كانت كافية لمنحه رتبة امير وتنصيبه والياً على الموصل مع منحه لقب”بكلر بكي”رتبة الباشوية بطوغين سنة 1726 وهي السنة التي بدأت فيها فترة الحكم المحلي لهذه الاسرة التي احتكرت حكم المدينة  لاكثر من قرن تخللها حكم متقطع لولاة من غيرهم الا انهم امتلكو سيادة الموصل الاقتصادية والاجتماعية وامتد نفوذهم الى اماكن اخرى وقد بلغ الحكم الحقيقي زهاء تسعين سنة تولى خلالها (16)والي من الجليليين حكم الموصل،اما(18)سنة الباقية تولى فيها (25)والياً غريباً حكم الموصل،وقد برز منهم ولاة ذوي قدرات سياسية وادارية فعالة نالوا شهرتهم في الاحداث التاريخية ليست المحلية فحسب بل الاقليمية والعثمانية ،فس حين ظهر منهم ولاة ضعاف لم يستطيعوا مقاومة التحديات الاقليمية المحيطة بهم ،بل وحتى المشكلات المحلية التي برزت معهم.

قضى اسماعيل بن عبدالجليل في منصبه سنة واحدة ليخلفه بعد وفاته بثلاث سنوات ولده حسين باشا الذي نصب واليا على الموصل سنة 1730ويعتبر هذا الرجل المؤسس الحقيقي لسلالة حكم الولاة من الجليليين والتي رسمتها من خلال جهوده العسكرية والادارية محليا واقليمياً في حكم الموصل اولاً وفي ادارته للعديد من ولايات الاقاليم الشرقية للدولة العثمانية،وكان حكمه للموصل متقطعاً غير متواصل خلال (28)سنة منها(13)سنة حكم خلالها ولاية الموصل،اما السنوات الباقية فقد حكم ولايات مهمة منها امارة وران وقارص وولايات اخرى اضافة الى البصرة وحلب.

اما انجازاته على الصعيد العسكري فتمثلت بالمساعدات التي قدمها للدولة العثمانية ضد الامتدادات الايرانية،فقد صد على رأس جيشه قوات ايرانية ارسلها نادرشاه ومؤلفة من (8000)مقاتل بقيادة نركز خان الذي قتل في المعركة،كما شارك حسين باشا بتقديم المساعدات لحملة الصدر الاعظم طوبال عثمان في حربه وانتصاره على نادرشاه 1733،واشتركت قوات الموصل في معركة كركوك ضد جيش نادرشاه اذ شارك حسين باشا في قيادة الحملة العثمانية تحت زعامة طوبال عثمان الذي وقع صريعاً في المعركة،واستطاع حسين باشا ان يسحب قواته الى الموصل.

وابرز اعماله التاريخية فهي قيادته لقوات الدفاع المشتركة دون اية مساعدات عثمانية ضد نادر شاه الذي فرض حصار على الموصل1743،وانتصار الموصل على الجيوش الايرانية التي قدرت بـِ(300.000)مقاتل.

الذي استطاع ان يلم شمل الموصليين للوقوف بوجه نادرشاه ،وبدلاً من ان تقدر الدولة العثمانية كفاءة حسين باشا فقد تم نقله الى عدد من الولايات مثل البصرة وحلب…التي تولاها سنة 1746.

يعد يحيى باشا الجليلي آخر ولاة هذه الاسرة البارزين ؛اذ تولى حكمها لفترتين الاولى(1822-1827)والثانية(1832-1834)حيث نقل عام 1827 ليعين والياً على ديار بكر ،فيما تولى ادارة الموصل عبدالرحمن باشا(1827-1828)والذي اغتيل في 15نيسان1828؛لتندلع ثورة من اعنف الثورات التي واجهها الحكم الجليلي في هذه الولاية والتي انتهت بتولي قاسم العمري السلطة في الموصل،ومن الجدير بالذكر ان تعيين قاسم العمري لم يلقى ترحيباً من قبل والي بغداد آنذاك(داؤود باشا).

كانت الدولة العثمانية متمثلة بشخص السلطان محمود الثاني(1808-1839)قد انتهجت سياسة مركزية قائمة على تصفية القوى الاقليمية المؤثرة في العراق ،وعلى رأسها داؤود باشا كونه وبقية الحكومات اللامركزية غدوا يشكلون خطراً اكيداً على كيان الامبراطورية ؛فكلف السلطان والي حلب علي رضا باشا اللاز بقيادة جيشه والقضاء على داؤود باشا بالاعتماد على قوى محلية منشقة في الموصل وديار بكر وحلب.

وهناك عوامل متشابكة عجلت في عملية سقوط النظام المملوكي،منها ضخامة القوة العسكرية التي كانت تحت امرة علي رضا ،وتحالف القبائل معه،والاخطر من ذلك تزامن انتشار الطاعون في بغداد مع فيضان نهر دجلة.

وترجع ثقة محمود الثاني في بغداد بعلي رضا اللاز والي حلب الذي كان مطلعاً على امور العراق وله صلاته مع اعيان العراق وذوي الرأي فيه،وسهل له ذلك ان حلب كانت ذات اهمية اقتصادية كبيرة للعراق ،قضلا عن انها مركز للتبادل الثقافي مع العراق حينذاك،ولذلك كان من السهل على والي حلب ان يجمع حوله الناقمين على حكم داؤود باشا والطامعين في الحصول على الحكم.

كان تعيين قاسم العمري من الخطوات الاولى التي اتخذها الباب العالي للحد من نفوذ داؤود باشا تمهيداً للقضاء عليه،فعندما كلفت الدولة علي رضا باشا بطرد داؤود باشا من بغداد وجد في قاسم العمري خير مساعد له في هذه المهمة؛اذ كانت قوات قاسم اول من دخل بغداد ،ولكن المماليك واهل بغداد خشوا على انفسهم من نيات قاسم الانتقامية،فدبروا ثورة ضده سقط فيها صريعاً.

وفي هذه الفترة واجهت الموصل هجوماً مفاجئاً سنة (…..)من قبل يحيى الجليلي الذي كان منفياً في حلب بعد ان عزل عن ولاية ديار بكر التي غادرها قبيل وصول قوات ابراهيم باشا المصرية في عام 1832،متوجهاً نحو الموصل التي عين محمد سعيد آل ياسين والياً عليها،حيث ضمت القوات التي انضوت تحت قيادة يحيى(4000)مقاتل من العشائر العربية،وتحديداً عشائر شمر التي عبر بها الصحراء،ومن حلب توجه الى الموصل وهاجم المدينة وظفر بها ،وقيل انه استولى عليها بامر من ابراهيم باشا،ثم انضم اليه صفوك شيخ عشائر شمر الجربا،كما انضمت اليه بعض فلول المماليك بقيادة عنايت اغا.

اما عن موقف الدولة العثمانية من هذا التحالف فقد تطلب اخضاع صفوك وفصم عرى هذا التحالف ،فاتبع السياسية التقليدية القائمة على ضرب عشيرة باخرى معادية لها،وكانت عشيرة عنزة مستعدة دائماً لقتال شمر الجربا،فبينما كان اللاز يراقب ماستؤول اليه الامور في شمالي العراق وسوريا حاصرته ببغداد قوات شمر بقيادة صفوك والتي وقفت ضدها عنزة ،فاشتبكت فيما بينها على نحو عنيف،فاشغلها ووجه بعض قواته العثمانية ضد يحيى باشا في الموصل ،ولم تنفع مناشدة الاخير لصفوك الذي بدأ يواجه سيلاً من القوات اثر فكه الحصار عن بغداد حيث جرى عزل صفوك –وبامر من اللاز-عن مشيخة شمر.

وعلى اثر فشل ثورة يحيى الجليلي انتهى حكم الاسرة نهائياً في الموصل،حيث استدعى الاخير ليعين عضواً في مجلس شورى الدولة،ومنحه لقب”كبير الوزراء”ولم يعد يسمع عن هذه الاسرة من بعد كأسرة حاكمة وانما بقيت كبيت من بيوت الاعيان في الموصل.

   

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s